قلم: أيمن الحاج علي - خبير استثمار وتطوير عقاري
لعل معظمنا يختلط عليه الأمر عند الحديث عن "التطوير العقاري" أو "الاستثمار العقاري"، فهي من المفاهيم التي يخلط بينها الكثير من الناس على الرغم من أن كل منها له شروط ونمط ووظيفة مختلفة، وقبل البدء في الحديث عن القطاع العقاري كان لا بد من توضيح بعض المفاهيم كالتطوير العقاري، الاستثمار العقاري والمقاولات.
يعتبر التطوير العقاري بمثابة المفهوم الشامل في مجال العقارات، حيث يُعرف على انه العملية التي يتم من خلالها رفع قيمة العقار للخروج بوحدات عقارية ناجحة تتناسب مع احتياجات السوق وتعود بالمنفعة على المطور، في حين ان الاستثمار العقاري يقتصر على عمليات البيع والشراء والاستثمار في المشاريع العقارية، فالمستثمر العقاري يكون على استعداد لإنفاق رأس مال مناسب لتحقيق عائدات ومكاسب مادية دون التدخل في عمليات التطوير العقاري.
أما المقاولات فهي جزء لا يتجزأ من مراحل التطوير العقاري وتعرف على انها عقد ما بين المالك والمقاول على تنفيذ مشروع ما استناداً لتصاميم هندسية ومواصفات فنية وضمن جدول زمني واضح ومتفق عليه، حيث يقوم المقاول بتنفيذ نطاق العمل نظير مقابل مادي تحت اشراف مكاتب هندسية متخصصة واشراف ومتابعة من قبل المالك.
يساهم التطوير العقاري في تنمية وتطوير العديد من المناطق السكنية والتجارية والسياحية ورفع القيمة المضافة لها من خلال انتاج وحدات عقارية وخدماتية تتلائم مع احتياجات المجتمع والفئات المستهدفة، وتشمل مراحل التطوير العقاري ما يلي:
1- الفكرة الاستثمارية: يجب أن تكون الفكرة مرتبطة بمدى فهم المطور الى حاجة السوق العقاري حيث تعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل التي يعتمد عليها نجاح المشروع من فشله، لذا لا بد للمطور من إدراك إتجاهات السوق ومتطلبات الفئة المستهدفه وهذا بالطبع يمكن تحقيقه بالاعتماد على خبرة المطور ودراسة السوق حيث يمكن الاستعانه باحدى الشركات الاستشارية المتخصصة للعمل على اعداد دراسة وتحليل واقع السوق من حيث العرض والطلب وحجم المنافسة وحصة السوقية المتوقعه، يستطيع المطور تحديد طبيعة المنتج العقاري الذي يلبي احتياجات الفئة المستهدفة استناداً لنتائج وتوصيات الدارسة.
2- الدراسات الأولية: لتقييم مدى جدوى الفكرة الاستثمارية فانه لا بد من اعداد دراسات الجدوى المالية الاولية، والتي توضح للمطور مدى جدوى الاستثمار والعناصر التي يمكن العمل على تطويرها لتحسين مؤشرات الأداء، ويمكن للمطور الاستعانة بالخبراء في هذا المجال من أفراد أوشركات استشارية مؤهلة.
3- إختيار الموقع: بناءً على نتائج الدراسات الاولية يقوم المطور بالعمل على بلورة الفكرة الاستثمارية من خلال البحث عن الموقع الجغرافي المناسب لتنفيذ المشروع، وغالباً ما يحتاج المطور لتقييم أكثر من قطعة أرض والمفاضلة بين الخيارات المختلفة بعد دراسة الجوانب التنظيمية والفنية لكل منها والتأكد من مدى ملائمتها للمشروع بحيث تضمن تحقيق أفضل عائد ممكن على الاستثمار، كما أن موقع المشروع له أهمية كبيرة في نجاح المشروع والخطة التسويقية.
بالقدر الذي يهتم به المطور بتنفيذ معلم معماري مميز الا أنه قد يتجاهل أحياناً أهمية الاستخدام الأمثل للمساحات والوحدات العقارية والتي تشكل أحد العناصر الرئيسية المهمة في تحديد جدوى الاستثمار، حيث يعتبر"معدل الكفاءة" في استخدام المساحات أحد المؤشرات المهمة في تقييم مدى جدوى الاستثمار، لذا ينصح بأهمية اشراك الخبير الاستثماري المتخصص ضمن فريق عمل مشترك مع المهندس المعماري، وذلك منذ المراحل الاولى للتصميم حتى يتم تنفيذ مشروع يراعي الجوانب الفنية والمعمارية والتنظيمية ويحافظ على البعد الاستثماري الذي يحقق أفضل عائد ممكن على الاستثمار.
4- التصاميم النهائية: اعداد التصاميم النهائية التي تؤهله للحصول على التراخيص اللازمة للمشروع حيث يقوم المكتب الاستشاري باعداد المخططات الهندسية والمواصفات الفنية وقائمة الكميات المتوقعة للبنود المشروع المختلفة.
5- الموازنة التقديرية: تحديد موازنة المشروع من خلال حصر التكاليف الاساسية من تكاليف مباشرة وغير مباشرة وتحديد الجدول الزمني للانفاق تماشياً مع الجدول الزمني لتنفيذ المشروع.
6- مصادر التمويل: طالما تم تحديد حجم الاستثمار المطلوب ومعرفة الموازنة التقديرية للمشروع، بات من الضروري تحديد الهيكل التمويلي ومصادر التمويل، وعلى الرغم من كون تكلفة الاقتراض أقل من تكلفة رأس المال الا أننا نلاحظ بأن بعض المطورين لا يبادرون في الحصول على قروض مصرفية لتمويل استثماراتهم لاعتبارات مختلفة، أما البعض الآخر الذي يدرك حقيقة تكاليف التمويل الذاتية فانهم غالباً ما يحصلون على قروض مصرفية تتفاوت نسبها من مستثمر الى آخر ومن مشروع الى آخر، لذا وجب على المطور تحديد نسب التمويل الخارجي بما يتلائم مع طبيعة الاستثمار وتدفقاته النقدية ودراسة الخيارات التمويلية المتاحة وتحسين شروط الاقتراض بما يتناسب مع التدفقات النقدية، وأهمها: قيمة القرض، فترة السماح، فترة السداد، نسبة الفائدة، والضمانات المطلوبة.
7- الخطة التسويقية: يتم اعداد الخطة التسويقية بحيث تتضمن مجموعة من العناصر التي تعرف بعناصر المزيج التسويقي الاربعة: (المنتج، السعر، المكان، والترويج)، والتي تعتبر بمثابة الادوات التسويقية لسياسة ناجحة تهدف لكسب رضا الزبائن وتلبية احتياجاتهم حتى تتمكن من تحقيق هامش الربح المتوقع، فالاسعار يجب ان تتلاءم مع طبيعة الوحدات العقارية وتكون مقبولة لدى الفئة المستهدفة، لا شك بان التسويق العقاري ليس بالامر الهين خاصة في ظل المنافسة العالية ويعتمد الى حد كبير على سياسة المطور الاستثمارية في تحديد استراتيجيته الاستثمارية النابعة من مدى ادراكه وتحليله لواقع السوق، حيث يعتبر التسويق العقاري الفعال بانه انتاج ما يمكن بيعه من عقارات وليس بيع ما يمكن انتاجه من عقارات، وتتجه الشركات التي تبيع ما يمكنها إنتاجه نحو المنتج العقاري، إذ إن المنتج العقاري يأخذ موقع الصدارة بالنسبة لها، ثم تفكر في الزبائن بعد ذلك، كما أنها تنظر إلى التسويق على أنه مجرد عملية إقناع الزبائن بالشراء.
8- الدراسات النهائية: باكتمال العناصر الاساسية لعملية التطوير العقاري، أصبح من الضروري العمل على اعداد الدراسات والخطط النهائية لتقييم مدى تحقيق الاهداف المرجوة للاستثمار وضبط الانحرافات ان وجدت وتقييم مدى تأثيرها على عناصر الاستثمار من تكلفة، وقت، جودة، وايراد. ان اعداد دراسات الجدوى المالية النهائية والتوصل لمؤشرات الاداء المبنية على دراسة وتحليل مخاطر الاستثمار تساهم في التوصل لتوصيات واضحة حول جدوى الاستثمار مما يساعد المطور على اتخاذ القرار المناسب.
9- مرحلة التنفيذ: يسعى المطور العقاري لتقييم شركات المقاولات المؤهلة والقادرة على تنفيذ المشروع حسب المواصفات الفنية والمخططات الهندسية، ولا يقتصر دور المطور على توقيع عقود المقاولات والتوريدات اللازمة للمشروع بل تجده يتابع سير العمل لضمان التزام المقاول بالمواصفات والجودة والتكلفة وفق الخطة الزمنية بالاضافة لمتابعة التغييرات والمشاكل التي قد تطرأ اثناء التنفيذ وايجاد الحلول المناسبة لها باقل تكلفة ووقت ممكن.
10- الادارة والتشغيل: لا شك بان الادارة المهنية السليمة والخطة التشغيلية الشاملة تعتبر أحد الركائز الأساسية للمحافظة على قيمة وجودة العقار وضمان تسويقه بشكل مستمر يساهم في تحقيق أعلى نسبة إشغال، فنجد أن بعض المطورين غالباً ما يقومون بالتعاقد مع إحدى الشركات المتخصصة والعاملة في مجال ادارة وتشغيل العقارات مما يوفر عليهم الوقت والجهد والتكلفة.
يعتبر الاستثمار في القطاع العقاري من انواع الاستثمارات التي يجب أن تتوافر فيها الخبرة والدراية الكافية حتى تمتلك عناصر النجاح، حيث يعتمد جدوى الاستثمار الى الى حد كبير على نوعية المستثمر ومدى مخاطرته وتوقعاته للعائد على الاستثمار.
كان ومازال يُنظر للاستثمار العقاري على أنه أحد الاستثمارات الآمنة كون العقار ثابت ويحافظ على صفة الدوام، وبالرغم من قلة المخاطرة إلا أن بعض الاستثمارات العقارية قد تعرضت لكثير من الانهيارات والعقبات التي نتج عنها أضرار وخسائر كبيرة لحقت بالمستثمرين نتيجة لاختيارات غير موفقة أو اخفاق في ادارة تلك الاستثمارات أو الوقوع في أخطاء جوهرية مرتبطة بتقييم الفرص الاستثمارية أدت إلى اتخاذ قرارات خاطئة.
اترك تعليقك على المقال
0 تعليق